mardi 6 février 2024

 


تستضيف ليانا صالح في هذا العدد من برنامج "ثقافة" الروائية السورية مها حسن للحديث عن روايتها '' نساء حلب '' التي تحاكي من خلالها تاريخ بلد بأكمله عبر رواية سيرة ذاتية  لنساء من عائلتها ورثن الظلم والمنفى.

Maha Hassan invitée à l’Institut Kurde de Paris pour son roman « Femmes d’Alep »

 PARIS – L’écrivaine kurde réfugiée en France, Maha Hassan a publié son roman « Femmes d’Alep », ouvrage qualifié d’ « Odyssée à dimension autobiographique ».

Maha Hassan dit être étonnée qu’on parle « de la littérature kurde écrite en arabe. Il s’agit d’une littérature spéciale qui n’est pas semblable à la littérature purement kurde (…). » Aujourd’hui réfugiée en France, Maha dit également sa frustration de passer pour une « Arabe » chez les Kurdes et d’être étiquetée de « Kurde » chez les Syriens, ajoutant: « Je ne suis ni française, ni syrienne, ni kurde. Je me sens illégale et je ne sais pas qui je suis. »

 
Sur Twitter, Maha écrit« Mon père était kurde et communiste. Recette complet pour vivre hors du monde.. Je porte ses grains de Don Quichotte, pour écrire et vivre ailleurs : dans une autre planète ! »

Maha Hassan et Ismaël Dupont – qui a adapté son roman – seront à l’Institut kurde de Paris, le samedi 16 avril, à 16 heures, pour une rencontre autour de « Femmes d’Alep » , récits de « témoignage réel de femmes explique la mosaïque complexe que constitue la Syrie, jusqu’à son morcellement et sa réconciliation quasi-impossible actuelle. »
 

Voix engagées : le rôle singulier des romancières arabes contemporaines

 Maha Hassan est une auteure d’origine syrienne vivant en France depuis de nombreuses années. Écrivaine aux multiples langues et identités, elle navigue entre différentes sphères culturelles. Son choix de la France comme terre d’accueil découle de sa passion pour la liberté, qu’elle considère comme une condition essentielle à l’acte d’écrire. À travers ses romans, elle s’efforce de dépasser ce qui la lie à un passé où la liberté de pensée et les droits des femmes et des Kurdes sont opprimés. Oscillant entre l’écriture en arabe et en français, Maha Hassan explore ses multiples univers intérieurs et exprime les nombreuses voix qui l’animent. Cela se manifeste particulièrement dans son roman Femme d’Alep, où elle met en lumière plusieurs exemples de femmes syriennes et françaises, offrant une voix singulière aux femmes kurdes, souvent marginalisées socialement et culturellement. Engagée dans une littérature des oubliés et laissés pour compte, elle utilise la fiction comme moyen de dévoiler ces mondes cachés.


dimanche 27 février 2022

"القرينات" في إبداع الذات.. ضرورة التواصل النسوي لإلهام الفنون


علاء رشيدي 

 تسرد الفقرات الأولى من رواية "قريناتي" لـ مها حسن، أحداثاً متتالية/ مترابطة نصياً لكنها منفصلة

 مكانياً وزمانياً، وكل منها مرتبط بشخصية مستقلة، لثلاث نساء، يعشن على فعل الانتقال بين الحلم واليقظة (إيزيس)، أو بين السقوط والنوم (ألماز)، أو بين الكابوس والخوف (لمعان). حضورهن مستقل لكن تزامن الحدث يوحي بترابط يستدعي الاكتشاف.

بينما تسقط أيزيس ويتحطم جسدها، تصحو لمعان من حلم ترى نفسها فيه كذئبة معرضة لسلاح الصياد، في الوقت نفسه تتعرض ألماز لنوبات من الخوف والتشنج وهي تحاول إدراك وجودها بين رحم الأم وبطن الذئبة. كلها حالات متحولة تعيشها نساء ثلاثة بما يشبه التكامل، أو التفاعل أو التقمص وكلها احتمالات مفتوحة تبنيها الكاتبة على مسار الصحفات الـ 300 التي يتشكل منها النص.

القرين هو التواصل الإبداعي مع الذات

(إيزيس، لمعان، ألماز) هن النساء الثلاث اللواتي ستشكل ليست حكايتهن فقط، بل العلاقة الباطنية- الظاهرية- التفاعلية بينهن، المحور الأبرز على امتداد الفصول الخمسة التي تنوع فيها الأديبة بين أنواع القرينات، فبينما تمتلك بعض القرينات مزايا ميتافيزيقية، تظهر لنا المضامين الروائية أن القرائن هي ذواتنا اللامتناهية، وأن ما يكتسي بطابع غيبي أو خرافي في الثقافة الإنسانية ليس إلا هو تواصل مع ذوات خلاقة، ستؤثر كل من (إيزيس، لمعان، وألماز) بالأخرى. إن الرواية تدعو إلى التفاعل الإبداعي بين النساء، إلى التفاعل الفني والتعليمي، وخصوصاً أن واحدة من القرينات كردية المنشأ والثقافة، وهو خيار واضح تسعى الكاتبة من خلاله التأكيد على التفاعل الثقافي العربي الكردي.

التقمص والغيبيات والجان في سبيل المعرفة

في الفصل الأول (قريناتي البعيدات) تروي إيزيس عن حياتها، هي التي تعمل كمحررة في بيروت، لكن اعتقاداً عميقاً لدى أمها بالتقمص يمتد إلى فكر (إيزيس) ويدفعها إلى الاعتقاد بأن: "حياتي الحالية هي حيوات مستمرة لحيوات سابقة وممهدة لحيوات قادمة". شخصية الأم المميزة باسم (نفرتيتي) هي التي تؤثر على فكر الابنة.

كانت الأم قد كتبت رواية مهمة عن التقمص، جمعت فيها بين الأسطورة والواقع، تتحدث فيها عن حيواتها المتعددة المتناثرة في أرواح الآخرين، لكنها لم تنجح في نشرها، وسرقت منها: "أمي نفرتيتي حلمت بإنجاب ابنة تدعوها إيزيس، نعم هي تؤمن أننا سلسلة من الذوات المتناثرة". وها نحن الآن قرّاء لنص الابنة التي تكمل حلم الكتابة، وكذلك التأثر الفكري، فستؤمن منذ بداياتها بالغيبيات: "صرت مهووسة إذن بعالم الجن، باحثة عن جني متنكر بيننا على هيئة بشر، لأن أبي قال إنهم يظهرون على هيئة البشر". إن هذا الخيار الأدبي يذكر بالأرضية الفكرية الواسعة في الأدب المحلي الشعبي أو التراثي لحضور فكرة "القرين" واستعمالها في مستوياتها الفكرية والجمالية.

تحرص الكاتبة على تزويج النص بالعناصر السحرية، قصص الغولة المتحولة، الماء الجذاب، الأحلام التي تراها القطط، حكايات الجدة. وتنويعات في طبيعة القرينة بين القرينة الطيبة، الطازحة، والمخيفة.

في الفصل الثاني بعنوان (قريناتي القريبات) يجري اللقاء الأول بين (ألماز ولمعان). حين تدخل (ألماز) فضاء الغرفة فإنها ترى نفسها، تشعر بأن وجودها ثنائي الحضور المكاني: "أحست للحظة أنها هي وقد انفصلت عن نفسها تلمست جسدها تأكدت أنه معها، لكن كيف تكون واقفة هنا وبالوقت نفسه هي واقفة أمام اللوحة ترسم؟. كانت لمعان قد رسمتها، رسمت وجه ألماز، وكانت تشبهها كثيراً، تشبه لمعان".

خيار القرائن الميتافيزيقية أو الفوق واقعية يتبدى لاحقاً في الرواية لأجل مضامين فكرية، القرين هو ذات لا متناهية في التواصل، القرين للتواصل الإبداعي والثقافي وليس للقوى الغيبية. وهنا تقترح الرواية ما هو نقيض عند القرين الأشهر في الأدب الروائي القريب (قرين، فيودور دوستويفسكي) الذي يظهر فيها القرين كبديل عن الموظف الإداري المهمش (غوليادكين)، ويأخذ القرين وجوده ومساحته الإجتماعية إلى حد الإلغاء. واستمر حضور القرين في الأدب بشكل مكثف بحيث يشكل سؤالاً عن أصالة الذات، وسماتها التي تميزها بهوية مستقلة، فالذات والقرين علاقة نموذجية لحبكات الأسئلة الوجودية والنفسية. لكن الرواية الحالية تتميز بإلاقتراح الإبداعي الذي تشكله القرينات بالنسبة لحياة الأخرى وشخصيتها ومهاراتها: "كانت ألماز منزوية ترسم كالميتة حتى أعطتها لمعان الحياة، لمعان جاءت لألماز بالحياة، ألماز أعطت إيزيس الحياة، كأنهن يتبادلن الطاقة بالحياة والبهحة. بينما كانت لمعان تتعلم العربية والإنجليزية والرسم والرقص، كانت ألماز ترقص وتحكي، وكانت إيزيس منهمكة في تدوين حكاية ألماز".

 القوى السحرية للمعرفة

إن لجوء الكاتبة على عوالم الغيبيات، القرينات التي تقربهن من الجن والسحر، هو لتبيان على قدرة المعرفة، فيأتي على لسان ألماز: "لقد رُويت عني الحكايات المضحكة، حكايات لا يستطيع البسطاء تفسيرها إلا وفق منطق الجان والإنس والقوى الغامضة، أجل، لدي قواي الخارقة، كما لدى النساء جميعهن، فقط علينا اكتشاف هذه القوة في كل منا".

فالصفحات الأولى من الرواية تتضمن فكرة محورية في كامل تجربة النص، إن مميزات الكاتب/ الكاتبة وحدها التي تمنح الاعتقاد بقدرات تدفعه لبناء علاقة مع ثلاث قرينات على هذه الشرطية المركبة في ابتكار الحكايات والمشاعر والأفكار: "وحدهن الكاتبات يستطعن رؤية المشهد كاملاً دون وسمه بالتواطؤ، بل تستطيع الكاتبة التوقف عن إيراد عشرات الأمثلة من الأحداث التي تراها أمامها، دون أن تحتاج إلى البرهنة على أن كلا من هؤلاء النسوة الثلاث على الأقل، بل ثمة أخريات، يخضعن لشروط متشابهة في ولادة الحكايات والمشاعر والأفكار ، وربما الأقدار. هكذا تبدأ امرأة ما هذا الكتاب معتقدة أنها ترتبط مع ثلاث نساء على الأقل، في أحد مصائر ومسببات، يحرك أحدهما الآخر".

والمقصود بالكتابة هي المعرفة. إن هذا المضمون المتعلق بقدرة الثقافة والمعرفة بالاقتراب من الغيبيات وتطويعها على الفكر الذي قام عليها الأدب والفن الرعوي، ذلك الفن الذي اهتم بالمرحلة الحضارية التي كان الإنسان ينفصل فيها عن الطبيعة، ليركن إلى قوة المعرفة والفن. من أشهر نصوصها المسرحية الأخيرة التي كتبها شكسبير (العاصفة/ 1611).

سلطان المعرفة والفن على الطبيعة

الأدب الرعوي، الموسيقا الرعوية، والمسرح الرعوي هو الذي اهتم بموضوعات انتقال التجربة الإنسانية من الخضوع إلى الغيبيات ليدافع عن المعرفة والعقل. فالشخصية الرئيسية (بروسبيرو) يملك القدرات السحرية في التحكم في الطبيعة، والجان، والقوى الخارقة من خلال معرفته بالفنون والآداب. فليس بروسبيرو إلا متمكن من معارف الآداب والفنون ولذلك نراه قادراً على التحكم بالجان وتطويع فوضاهم. لقد ركز على أبحاثه ودراساته فخدعه أخوه (أنطونيو) الذي اهتم بإدارة الدولة وخدع أخاه واستلم الحكم عنه.

بروسبيرو الآن منفي في جزيرة مع ابنته الوحيدة، ويسعى من خلال أحداث المسرحية لإعادة العدالة والحق. يمثل الأخ أنطونيو الجانب السياسي والانتهازي، بينما يمثل بروسبيرو الجانب الفني والمعرفي. أما صراعه مع القوى الماورائية فيكون مع الجني (كاليبان).

إن المقدمة المميزة التي رافقت طبعة (آردان) بقلم (فرانك كيرمود) تبين هذه الموضوعة بوضوح: "العاصفة هي دراما رعوية وهي تنتمي إلى ذلك النمط الأدبي الذي يعنى بالتضاد بين الطبيعة والفن"، عالم الفن عند بروسبيرو وعالم الطبيعة عنده كاليبان. فهو يقاس بالنسبة للإنسان المتحضر، والطبيعة هنا تتعارض مع الفن، بينما الفن هو سلطان الإنسان على العالم المخلوق وعلى نفسه، أما طبيعة كاليبان فهي التي لا تدفعه إلى التفكر ولا للعبودية ، وليس للحرية. أما بروسبيرو يمثل الإنسان المتمدن، وما قواه السحرية إلا المعارف الفنية، هذا الفن الذي يدعو إلى الفضيلة، يسمو على الطبيعة بالمعرفة التي تقف على النقيض من السحر الأسود. إن الفن مرتبط بتلك المعرفة المسمّاة تربية، هي ذلك القيثار أورفيوس، ذلك العود في يد آمفيون، التربية التي أحسن الشعراء تصوير معجزاتها بين مخلوقات تفتقر إلى العقل والإدراك ، المعرفة هي التي تخلق الجمال من بين القبح، والنظام والقواعد من بين الفوضى والإضراب. فن بسروسبيرو. وهذا الفن هذا الفن على نقيض الخضوع للطبيعة". الذي يمثله الجان في نص شكسبير والجان في رواية (قريناتي). فالنص الشكسبيري والجن القريني لمستويات ثلاثة من الطبيعي- الحيواني- البشري والعقلي.

يظهر ذلك في رواية (مها حسن) أيضاً، فالقدرات الفنية الناتجة عن الجهد والبراعة، يُعتقد شعبياً بأنها تنطوي على قوى غيبية: "كانوا يرون في لوحاتها فعلاً يقوم به الجان، وكان البعض يروج بأنها ترسم وهي مسكونة بالجان". أما المضمون الأدبي من العمل الروائي فهو مغاير تماماً، إن التواصل بين القرينات الثلات هو حالة إبداعية ليست غيبية، لكن ما تختلف فيه الرواية عن النظرية الرعوية هو ما تقرؤه إيزيس في كتاب (نساء يركضن مع الذئاب، الاتصال بقوى المرأة الوحشية، كلاريسا بنكولا)، وتتبنى مقوله، وهو أن الفن هو ناتج عن اتصال المرأة مع هذه القوى". لتعارض النظرة الرعوية متبنية وجهة نظرها: "بارتباط الفن بالحالة الوحشية لدى المرأة. أن الفن يمثل الغابة غير المكتشفة، كلما كانت الفنانة أميل للوحشة بداخلها، اقتربت من الفن".

mardi 5 octobre 2021

مها حسن: عن النساء والفقد والفنّ

الرواياتُ أيضاً تتناسخُ كمَا تتناسخُ الأرواح، لتأخذك إلى عالمٍ نورانيٍّ بعيدٍ عن الحقيقة لكنّه قريبٌ مِن الواقع، لا يقتربُ من الصواب لكنّه صادق، لا يمكن أنْ تستوعبَ ما يحدثُ فيه، لكنكّ تصدّقه وترغبُ في معرفة المزيد. إنّه عالمٌ تتناسخُ فيه الحكايات وتتداخلُ فيه القِصص والوقائع... متاهة سردية تلك التّي اختلقتْها الروائيّة السورية مها حسن في رواية «قريناتي» الصّادرة عن «منشورات المتوسط». ما إنْ تقبض فيها على خيطٍ يشدّ بيدك إلى الحقيقة حتّى تضيّعه، لتعاودَ البحثَ عنه مجدداً. أثناء ذلك، تضيّع الطريق، لكنّك تمسك بإشارةٍ أخرى تقود إلى ممرّاتٍ مختلفة، وهكذا تتكاثرُ الخُيوط وتتكاثفُ الحكايات. نجدَ أنفسنا في بدايةِ البدايات، مع صديقات ألماز لمعان وإزيس، لكن بسرعة سَردية غير متوقّعة نعثرُ على ألماز أخرى، تلك الألماز تنجبُ نظلية، لنسقط مجدداً في فخّ مها حسن وسردها اللئيم، فالمتحدّثُ الآن هو لمعان صديقة ألماز التي تعرّفنا عليها في البداية. مرّةً أخرى تتحكم مها حسن بزمام السرد وخبايا الحكايا، إذ نقفُ مجدداً مع ألماز أخرى، فنّانة عاشقة للحياة والحريّة، جميلة للحد الذي يصبحُ فيه «الجمال هو تناغم الهدف مع الشكل» كما قال أحدهم. لكن بقدر ما تعشقُ هذه الألماز الفنّ، تهوى الحُريّة، ما دفعها للهرب إلى إيطاليا بحقيبة تدسّ فيها أحلامها بحياة مُشتهاةٍ. وهناك، عرفتِ الحبّ كما كان ينبغي لها أن تعرف، وعرفتِ الفنّ الّذي جعلها تفكّر في نفسها ككائن آخر يستحقّ حياة أفضل، لكن خلقتِ الأحلام كي لا تتحقّق، لتفاجأ بموتِ مربيّتها، ما اضطرّها للعودة مجدداً لديارها.

تأخذنا الكاتبة إلى فصولٍ أخرى من حياة ألماز وعودتها لزوجها وكلّ القصص الغريبة التّي حدثتْ في مكانٍ لا يُشبهها، فاختارتْ أن تنزوي في مكانٍ قصّي في الغاب ترسم وترسم، حتّى يدركها التعب: «فسوف أعود إليّ، أنا هناك، لا أزال أنتظرني في الغابة. روحي هناك، أناي الكارهة للضوء المزيَّف المزيِّف، أنا لستُ ابنة الصالات النظيفة اللامعة، أنا الوحشة، الغولة، ابنة الحكايات التي لا يصدقّها العقلاء».
نعثر أخيراً على الخيط، إنّه يعود بنا إلى البداية، إلى لمعان صديقة ألماز الأولى، إذ تحكي حكايتها برواية، في فصلٍ جديد غير متوقّع.
تشعر أنّ مها حسن تكتب حيوات كثيرة أشخاص عرفتْهم في مشاهد الحياة المتواصلة، إذ ذكرت في الرواية على لسان ألماز المطرب الكردي أحمد كايا الذي تشعرُ كأن أغانيه تفتحُ أبواب الذاكرة الموصدة فهي: «تسمع أحمد كايا، وتبكي وهي ترسم. تهتزّ مع الموسيقى، وفي كلّ اهتزاز، تشعرُ بأنها تحرّك النساء النائمات أو ربما المُغمى عليهن، في كهوفها المنسيّة، هي مكان، ليس فقط هذا الجسد المرئي، بل تواريخ وذواكر وشُخوص تقبع في كهفِ الجسد، الكهفُ اللامرئي، الذي تثيره الموسيقى العالية، الرقص». هكذا تكلمت الرِوايّة.
تنقلُ الروائيّة أوجاع البشر، مآسيهم، وحريّاتهم المخنوقة في مجتمع يستظلّ بظلال الأعراف، تبرز أيضاً ماهيّة الفقد الذي يجمّله الفن أو لربّما يرسّخه أكثر: «كان الفقدُ عنوان حالاتها الدائمة. كأنّها تعيشُ على مدّخراتها من الحياة التي عاشتها، فترسم من وحي ما عاشتْه، أو ما تتخيّله، لأنّ الحياةَ الراهنة، لم تعدْ سوى استعادة للذكريات عبر اللوحات، أو تفريغ للمخيّلة والمنامات، عبر الأشكال والألوان».
تقدّم الرِواية نموذجاً للفنانة التي تحملُ هواجس أكبر من أنْ يستوعبها المجتمع، تلك التي تبحثُ عن الصدق والمحبّة اللامشروطة ولا بأس إنْ وجدتْها عند الكلاب وفي الغابة: «إنّني أعتبرُ ولائي للكلاب كأهم كائناتٌ في حياتي، وأحبّ حضور هذه الكائنات حولي، وما يهمّني حبُّ هذه الكائنات لي، أعني الحبّ المتبادَل بيننا». كأنّ الروائية تستذكِر حكايا الجدّات اللواتي لم يمتلكن فنّ الكتابة، لكنّهن امتلكن القِصص المفتولة بخبرة الحياة، في عالمٍ كان مفتوحاً على الحكي، فلا جُمل زائدة تعرقلُ فهمه ولا سرد مطولاً يثقل صدق محمولاته، ولا تعابير ركيكة تفسدُ سحره، إذ ذكرت في الروايّة عبارة ذات مدلولات قويّة، كأنها مستوحاة من ذاكرة الروائيّة نفسها، لتكتُبها كمشهدٍ عصي على النسيان، مكتوب بسحر البيان، عندما رأتْ ألماز الجدة، خَجيْ تشاهد شيئاً، وعندما اقتربتْ ألماز، لم تجد لا تلفازاً ولا شيئاً. سألتها ماذا تفعلين؟ قالت: أشاهدُ أفلامي الداخليّة. أي تستذكرُ الماضي وكأنّه مشاهدٌ من فيلم.
كتأويل للعملِ، أرادت الروائية أن تُنبّه قارئها بعدم ربط الرواية بالواقع أثناء القراءة، لكن حين تنتهي من ذلك، فكّر في الرواية التي تماهتْ داخلك، لدرجةٍ يصبحُ فيها الواقع قابلاً للتفسير والتعاطي معه بشكلٍ مختلف، وهنا يكمن سحر الأدب وقدْرته الخرافية في قول ما لا يقال إلاّ روائياً.
«قريناتي» ليست رواية عن تناسخ الأرواح فحسب، وإنما عن النساء، عن الفقد والفنّ حين يصبح شكلاً من أشكال التعاطي مع الحياة، إذ تقتربُ الرواية من الفنّ للحدّ الذي يصبحُ فيه قريناً لها: إذ ترى أنّ «الفنّ يمثّل الغابة غير المكتشفة: كلما كانتِ الفنّانة أميَل للوَحشة بداخلها، اقتربتْ من الفنّ» كما جاء في الرواية .

جريدة الأخبار ـ ساره سليم 

 

lundi 29 mars 2021

"في بيت آن فرانك".. نصّ روائي لمها حسن يجمع الخيال بالواقع

صدرت حديثاً الطبعة العربية لرواية "في بيت آن فرانك" للكاتبة السورية المقيمة في فرنسا "مها حسن"، التي تقول إن الرواية استغرقت 13 سنةً لتخرج في صيغتها النهائية، ولتتحرَّر الكاتبةُ أخيراً من آن فرانك، التي سكنت بيتها وذاكرتها.

 

"هيا لنُغيِّر العالم بلعبة الكتابة!" تقول كلّ مِنْ آن فرانك صاحبة كتاب "مُذكِّرات فتاةٍ صغيرة"، ومها حسن صاحبة هذا الكتاب. حيث تسيرُ الكاتبتان جنباً إلى جنب في خطَّين كثيراً ما يتقاطعان، بين صفحاتِ الرواية وأمكنتها وأزمنتها المُركَّبة، لنقعَ في اللَّبسِ، وفي السِّحرِ أيضاً. مع استعادة الفتاة الصغيرة لصوتِها روائيَّاً، في سردٍ مشتركٍ تمنحُها فيه الكاتبة المُقيمة في بيتها الفرصة لتحكي قصَّتها، ولتخرج من البيت، وتسافر معها إلى فلسطين. ولنعبُر، في تناوب الصَّوتيْن وامتزاجهما، من صراع الهويّة، ومآسي الماضي، إلى همومِ الكاتبتيْن الشَّخصية وقد سكنت روحُ إحداهُما ذاكرةَ الأخرى.

 

لا تخرجُ رواية "في بيت آن فرانك" عن أسلوب صاحبة "عمت صباحاً أيتها الحرب" 2017، في السِّيرة واليوميَّات والمذكّرات، بل تُعمِّقه في قالبٍ روائيٍّ يجمعُ الخيال الأدبي بالواقع. تبدأ الحكاية ولا تنتهي في أمستردام، في بيتٍ يعرفهُ الكثيرون، بيت أنيق وهادئ، صارَ متحفاً ومكاناً للإقامات الإبداعية؛ أين تقضي كاتبةٌ، بعد تردُّدٍ، سنةً كاملةً في مواجهةِ ذاكرةٍ مزدوجة، وحيدة لساعاتٍ طويلةٍ، يُفارقها النَّوم وتكبر بداخلها المخاوف، بل وتأتيها في شكلِ طيفِ فتاةٍ، اجتثَّها يوماً النَّازيونَ من مكانِها، وحرموها أن تعيشَ حياتها في بيتٍ آمن، بيتٍ مليء بالمخابئ السّرية التي لم تُجدِ نفعاً بعد الوشاية بالعائلة، وإرسالها إلى معسكراتِ الاعتقال، لتقضي وأختها هناكَ، غالباً بسبب وباء التيفوس عام 1945.

 

من الرواية:

- أنا خائفة من آن فرانك.

- هل يمكنكِ قول المزيد حول هذه النقطة؟

- لا أستطيع النوم لأني أخاف من آن فرانك، أخاف من أن تقوم بإيذائي. أحلم يومياً بفتاة تحدّثني بالفرنسية، تُخبرني عن مدفنها، وأفيق لأشعر بأنني لم أكن أحلم، بل بأن فتاة كانت تجلس قرب رأسي، وتحكي لي وأنا نائمة. بل أرى شبحاً يعبر الغرفة كلَّما أفقتُ من الحُلم، كأنها فعلاً تجلس قربي، تحكي لي، وحين أفيق، تغادرني... لم أكن أعرف في البداية مَنْ هذه الصَّبيَّة التي تتحدَّث إليَّ في المنام، وتروي حكاية موتها بالتيفوس في مخيَّم، لا أعرف كيف ترسَّخ اسمه الألماني في ذاكرتي (بيرغن بيلسن)، حين بحثتُ في الإنترنت، عرفتُ أنَّ آن فرانك ماتت هناك، وأدركتُ أنها تخرج من الموت، وتأتي للجلوس جواري حين أنام. لا أعرف ماذا تنتظر منِّي آن فرانك، ولكنني أعتقد أنها متضايقة لأنني أسكن في بيتها.  لقد كانت طفلة سعيدة في هذا المنزل، إلَّا أنها أُجبرت على تركه تجنُّباً للوقوع بأيدي النَّازيِّين. وأنا الآن هنا، مكانها، في المكان الذي اقتُلِعَتْ منه، وحُرِمَتْ من متابعة حياتها، كفتاة مليئة بالأحلام، أشعر أني آخذ مكانها، وأخشى من أن تنتقم منِّي. كنتُ أتصوَّرها تقول: ماذا تفعل هذه المرأة الغريبة في منزلي؟ لقد حُرِمْتُ من حياتي ومن سعادتي، حُرِمْتُ من أصدقائي، من مدرستي، من فتاي الأوَّل.. لتأتي هذه المرأة وتحتلَّ مكاني. أنا خائفة من روحها، من روح آن فرانك.

 

الرواية صدرت عن منشورات "المتوسط -إيطاليا"، وجاءت في 184 صفحة من القطع الوسط، نعيش فيها مع مها حسن تفاصيلَ عن السفر والصداقة والقصص المشتركة، وعن بلاد جميلة تسمّيها مها "أرض الكتابة".

عن الكاتبة:

مها حسن، روائية سورية، من مواليد مدينة حلب، وتقيم حاليًا في فرنسا. صدر لها العديد من الأعمال الروائية من أبرزها "اللامتناهي - سيرة الآخر"، 1995. "جدران الخيبة أعلى"، 2002. "تراتيل العدم"، 2009.  "حبل سري"، 2010. "بنات البراري" 2011، "طبول الحب" 2012. "الراويات"، "نفق الوجود"، 2014، "مترو حلب"، 2016. "عمت صباحاً أيتها الحرب"، 2017.  "حي الدهشة"، 2018.

وصلت رواياتها "حبل سري" و "الراويات"، إلى اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، كما وصلت رواياتُها "مترو حلب"، عمت صباحاً أيتها الحرب"، "حي الدهشة" إلى اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.

 عن تلفزيون سوريا 

https://www.syria.tv/%D9%81%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A2%D9%86-%D9%81%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%83-%D9%86%D8%B5%D9%91-%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D9%8A%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9


 

 

الروائية مها حسن: «العربية» حقل فاكهة وجمال

يهاب الملاح جريدة الاتحاد الخليجية حاورها إ

من بين أهم وألمع الأصوات الروائية العربية في السنوات العشر الأخيرة؛ يبرز اسم الكاتبة السورية المقيمة بباريس مها حسن صاحبة التجارب الروائية المتميزة؛ «حبل سري» و«الراويات» و«طبول الحب».. وغيرها من الأعمال السردية التي وضعتها في الطبقة الأولى الممتازة من مبدعات ومبدعي الرواية العربية.. بمناسبة صدور روايتها الأخيرة «في بيت آن فرانك» عن منشورات المتوسط، تحدثت إلى (الاتحاد).

ماذا تعني العربية لغة وثقافة لكاتبة سورية مرموقة ذات أصول كردية؟
- أشعر بالقلق الغامض أحياناً، هذا القلق الذي يعرفه الكتّاب، ويحللون مصدره أثناء الكتابة، فأعرف أن مشكلتي هي عدم رضاي عن جملة تؤرقني، وحين أعثر على عبارة أو لفظة، كانت غائبة عني، يبدو الأمر وكأن شعاعاً من ضوء مرّ في روحي، فأتحرر من القلق.. اللغة العربية بالنسبة لي، حقل اكتشاف دائم، يساعدني على معرفة المزيد عنّي، وعن الآخر.. حقل مليء بالثمار والفاكهة والجمال، ولا يزال مهما سرت فيه، بعيد المنال، وكلما خطوت متعمقة فيه، اكتشفت منبع الأمان
تكاد تكون اللغة العربية بالنسبة لي، هي زجاجة الماء الصافية المنبعثة من ينابيع نقيّة. قد أشرب مياه الصنابير، أو مياهاً غازياً، حيث أتحدث وأكتب بلغات أخرى، غير العربية، لكن إحساسي صوب اللغة العربية، يبقى هو الأصفى والأكثر سلاسة وطمأنينة.

حسنا. ماذا عن أحدث مشروعاتك الروائية؟
- روايتي الأخيرة «في بيت آن فرانك» استغرقت ثلاثة عشر عاماً حتى تمكنت من إظهارها إلى العلن
كتبتُ النسخة الأولى، بعد انتهاء إقامتي في منزل آن فرانك في أمستردام/ هولندا، ثم تركتها، وعدت مراراً لمراجعة المخطوط الأول، وفي كل مرة كنت أشعر فيها بالهلع وأنا أتخيل الكتاب مطبوعاً. أريد الاعتراف، بأن استسهال الكتابة في العالم العربي عموماً، واختيار المواضيع الهادئة والرقيقة على الأغلب، جعلني أشعر دائماً بالقلق، ولأنني لا أرغب بالعزلة، فإنني أقوم بتأجيل مواضيعي الأكثر إشكالية، تلك التي أبدو فيها وكأنني كائن «دونكيشوتي» يحارب وحده كائنات خيالية، ليست خيالية أبداً في مشهدنا الثقافي، المليء بالنسخ والتكرار، واستلهام الماضي، والخوف من التجريب، والمغامرة الإبداعية.

هل تحمل الرواية من مغامرات على مستوى الشكل؟
- إحدى معضلات هذه الرواية، هو تحديد جنسها الأدبي، حيث أشعر دائماً بأن كلمة «جنس أدبي» تقيّد الكتابة، وتحيلها إلى حالة أكاديمية مدرسية كسولة إلى حد ما. هذه الرواية، تتضمن بعض اليوميات، تقاطعاً مع كتاب اليوميات لآن فرانك، شريكتي في هذه التجربة، لكن كتابي ليس يوميات. لهذا أحياناً يتم الخلط بين فكرة الرواية التي هي النسبة لي، في هذه التجربة خاصة، وفي تجربة «عمتِ صباحًا أيتها الحرب» هي مزج بين الواقعي والخيالي، بحيث يصعب على القارئ أن يتأكد من مرجعية العمل، وأظن أنه ليس من الكاتب البرهنة على واقعية وصحّة ما وقع له في الكتاب، طالما أن العمل في النهاية، ليس وثيقة تاريخية، بل وثيقة إبداعية.

لماذا «في بيت آن فرانك» ما الذي جمع بينك وبينها؟
- في هذه الرواية، جمعتُ بين روح آن فرانك التي أقمتُ في بيتها، وجسدي الذي تركتُ لآن فرانك تقيم فيه لاحقاً، لتطلّع على الحياة التي حصلت بعد موتها، وتعرف المزيد مما كانت تتمنى معرفته آنذاك. ربما من الأهداف السرية لهذا النوع من الكتابة، هو محاولة منح الخلود للكاتب الذي يموت، وتبقى روحه المبدعة القلقة تهيم في الحياة
الرواية دعوة أيضاً لمراجعة تاريخ الحرب التي لا تزال تتكرر، والتي عاشتها آن فرانك من جهة، وأنا ككاتبة سورية من جهة أخرى، ورغم الفارق الزمني بين الحربين، لكن معاناة الشعوب وآلام الحرب واحدة.